امتدح الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على أخلاقه كلها، ومنها خلق الحلم، تلك الصفة التي تحلى بها نبينا عليه السلام لتكون شامة في أخلاقه، فلقد نال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - الشتائم والسِبابَ من كافة طبقات المجتمع، فقد هجاه الشعراء، وسخر منه سادة قريش، ونال منه السفهاء بالضرب بالحجارة.
وقالوا عنه ساحر ومجنون وغير ذلك من صور الأذى التي كان يتلاقها رسول الله بسعة صدر وعفو وحلم وتسامح ودعاء لمن آذاه بالمغفرة والرحمة.
ولقد صدق الله إذ يقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}... (القلم:4) وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}... (آل عمران:159).
وإن استقراء صور العفو والحلم في سيرته صلى الله عليه وسلم أمر يطول فنكتفي بذكر بعض تلك الصور من حياته: -
1- فعندما خرج صلى الله عليه وسلم إلى قبيلة ثقيف طلبًا للحماية مما ناله من أذى قومه، لم يجد عندهم من الإجابة ما تأمل، بل قابله ساداتها بقبيح القول والأذى، وقابله الأطفال برمي الحجارة عليه، فأصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن ومن التعب الشديد ما جعله يسقط على وجهه الشريف.
ولم يفق إلا و جبريل رضي الله عنه قائمًا عنده يخبره بأن الله بعث ملك الجبال برسالة يقول فيها: إن شئت يا محمد أن أطبق عليهم الأخشبين، فأتى الجواب منه عليه السلام بالعفو عنهم قائلًا: (أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا) رواه البخاري، فأي شفقة وأي عفو وصفح وحلم من إنسان يُضاهي هذا الحلم إلا حلمه عليه السلام.
2- ولما كُسِرت رُباعيته صلى الله عليه وسلم وشُجَ وجهه يوم أُحد، شَقَ ذلك على أصحابه، وقالوا: يا رسول الله ادعُ على المشركين، فأجاب أصحابه قائلًا لهم: (إني لم أُبعث لعانًا وإنما بعثت رحمة) رواه مسلم.
3- وأقبل ذات مرة الطفيل بن عمرو الدوسي على النبي صلى الله عليه وسلم، طالبًا منه الدعاء على أهل دوس لعصيانهم، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن رفع يديه مستقبل القبلة قائلا: (اللهم اهد دوسًا) رواه البخاري.
4- ومن حلمه وعفوه صلى الله عليه وسلم مع الأعراب، حينما أقبل عليه ذلك الأعرابي الجلف، فشد رداء النبي صلى الله عليه وسلم بقوة، حتى أثر ذلك على عنقه عليه السلام، فصاح الأعرابي قائلا للنبي: مُر لي من مال الله الذي عندك، فقابله النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك له، والصحابة من حوله في غضب شديد من هول هذا الأمر.
وفي دهشة من ضحك النبي صلى الله عليه وسلم وعفوه وفي نهاية الأمر، يأمر النبي صحابته بإعطاء هذا الأعرابي شيئًا من بيت مال المسلمين.
5- وأعظم من ذلك موقفه مع أهل مكة، بعدما أُخرج منها وهي أحب البلاد إليه، وجاء النصر من الله تعالى، وأعزه سبحانه بفتحها، قام فيهم قائلًا: (ما تقولون أني فاعل بكم؟) قالوا: خيرًا ، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: (أقول كما قال أخي يوسف): {قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}... (يوسف:92)، (اذهبوا فأنتم الطلقاء) رواه البيهقي.
6- ولمحة أخرى من حلمه في حياته عليه السلام، أنه لم يُعهد عليه أنه ضرب خادمًا، أو امرأة، ولم ينتقم من أحد ظلمه في المال أو البدن، بل كان يعفو ويصفح بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم تقول عائشة رضي الله عنها: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل) رواه مسلم.
فما أحوجنا إلى الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في هذا الخلق الكريم، والطبع النبيل، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}... (الأنعام: 90).
المصدر: موقع إسلام ويب